أساسيات علم البيئة الحديث



ما الذي نعرفه عن علم البيئة ؟ ما أهميته ؟ ما الذي يدرسه ؟
وما علاقته بالعلوم الأخرى؟

    يتفق الخبراء والمختصون المعنيون بأن علم البيئية  يحتل في الوقت الحالي حيزاً هاماً بين العلوم الأساسية والتطبيقية والإنسانية.ولعل من أهم ما دعا الإنسان المعاصر الى النظر الى علوم البيئية بهذه الجدية هي التفاعلات المختلفة بين أنشطة التنمية والبيئة، والتي تجاوزت الحدود المحلية الى الحدود الأقليمية والعالمية.واصبح الإنسان ينظر الى هذه المستجدات كمشاكل عالمية لا تستطيع الدول، إلا مجتمعة، أن تضع الأطر والحلول المناسبة لها[[1]].علماً بأن مؤتمر الأمم المتحدة للبيئة البشرية في ستكهولم عام 1972 أعطى للفضة " البيئة" فهماً واسعاً، بحيث اصبحت تدل على أكثر من مجرد عناصر طبيعية (ماء، وهواء، وتربة، ومعادن، ومصادر للطاقة، ونباتات، وحيوانات)، وإنما جعلها بمثابة رصيد من الموارد المادية والإجتماعية المتاحة في وقت ما وفي مكان ما لإشباع حاجات الإنسان وتطلعاته[[2]].

لقد نشأ علم البيئة كحاجة موضوعية،ليبحث في أحوال البيئة الطبيعية، أو مجموعات النباتات، او الحيوانات التي تعيش فيها، وبين الكائنات الحية الموجودة في هذه البيئة.وعلم البيئة يبحث  في الأفراد والجماعات والمجتمعات والأنظمة البيئية، وحتى في الكرة الحية،ولذا يعتبر أحد فروع علم الأحياء الهامة،حيث  يبحث في الكائنات الحية ومواطنها البيئية[[3]].
   
ويُعرفُ علم البيئة بانه العلم الذي يبحث في علاقة العوامل الحية ( من حيوانات ونباتات وكائنات دقيقة) مع بعضها البعض، ومع العوامل غير الحية المحيطة بها.وهو معني  بدراسة وضع الكائن الحي في موقعه، فضلا عن محيطه الفضائي.ويحاول علم البيئة الإجابة عن بعض التساؤلات، ومنها: كيف تعمل الطبيعة، وكيف تتعامل الكائنات الحية مع الأحياء الآخرى أو مع الوسط المحيط بها سواء الكيماوي أو الطبيعي . وهذا الوسط يطلق عليه النظام البيئي،الذي نجد أنه يتكون من مكونات حية وأخري ميتة أو جامدة.إذاً،فعلم البيئة هو دراسة الكائنات الحية وعلاقتها بما حولها وتأثيرها  على علاقتنا بالأرض[[4]].

المرادف لمصطلح البيئة بالأنكليزية هو Environment.وهناك مصطلح Ecology، مشتق من كلمة Okologie الذي إقترحها عالم الحيوان الألماني أرنست هيكل Ernest Haeckel (1869) لتعني علاقة الحيوان مع المكونات العضوية واللاعضوية في البيئة.وأصل الكلمة مشتق من المقطع اليوناني Oikes والتي تعني بيت و Logos تعني علم. وبذلك تكون كلمة إيكولوجي هي علم دراسة أماكن معيشة الكائنات الحية وكل ما يحيط بها.

وفي اللغة العربية، فان كلمة بيئة مشتقة من الفعل الثلاثي بَوَأَ، ونقول تبوأ المكان أي نزل وأقام به. والبيئة هي المنزل، أو الحال ( المعجم الوسيط) [[5]]. ولقد درجنا في اللغة العربية على إطلاق إسم علم البيئة على التسمية  Ecology فأختلط بذلك الأمر مع مفهوم البيئة  Environment وأصبح عالم Ecologist وعالم Environmentist وكأنهما تسميتان مترادفتان لمجال عمل واحد، ولكن الوافع يختلف عن ذلك تماماً[[6]].فعالم Ecologist يعني- بحسب اَيوجين اَدوم- بدراسة وتركيب ووظيفة الطبيعة، أي أنه يعني بما يحدد الحياة وكيفية إستخدام الكائنات للعناصر المتاحة.أما عالم البيئة Environmentis فيعنى بدراسة التفاعل بين الحياة والبيئة،أي انه يتناول تطبيق معلومات في مجالات معرفية مختلفة في دراسة السيطرة على البيئة، فهو يعني بوقاية المجتمعات من التأثيرات الضارة، كما يعنى بالحفاظ على البيئة محلياً وعالمياً من الأنشطة البشرية ذات التأثير الضار، وبتحسين نوعية البيئة لتناسب حياة الإنسان[[7]].
    إن علم البيئة أو علم التبيؤ Ecology هو الدراسة العلمية لتوزع وتلاؤم الكائنات الحية مع بيئاتها المحيطة وكيف تتأثر هذه الكائنات بالعلاقات المتبادلة بين الأحياء كافة وبين بيئاتها المحيطة. بيئة الكائن الحي تتضمن الشروط والخواص الفيزيائية التي تشكل مجموع العوامل المحلية اللاحيوية كالطقس والجيولوجيا (طبيعة الأرض)، إضافة للكائنات الحية الأخرى التي تشاركها موطنها البيئي (مقرها البيئي) habitat[[8]].

تقسيمات علم البيئة
   
لتسهيل دراسة علم البيئة وتخصيص مجال الدراسة، وضعت عدة تقسيمات لعلم البيئة، منها:

1-علم البيئة الفردية Autecology والذي يهتم بدراسة نوع واحد أو التداخلات الحيوية في مجموعة مترابطة من الأنواع في بيئة محددة،ويعتد هنا إستخدام التجربة في الدراسة، سواء المخبرية او الميدانية، لجمع المعلومات البيئية.

2-علم البيئة الجماعية Synecology  وهو نوع من الإتجاه الجماعي في الدراسة، وفيه تدرس جميع العوامل الحية( جميع أنواع الكائنات الحية) والعوامل غير الحية في منطقة بيئية محددة. ويقسم هذا العلم الى:
   علم البيئة البرية Terrestrial Ecology
   علم البيئة المائية  Aquatic Ecology
   علم البيئة البحرية Marine Ecology

وفي تقسيم اَخر، يقسم البيئة الى:
علم البيئة الحيوانية Animal Ecology
علم البيئة النباتية Plant Ecology  

وقد إتسعت دائرة علم البيئة لتشمل العديد من الفروع المتعلقة به، ومنها إدارة الحياة البرية Wildlife Management وعلم الغابات Forestry وعلم بيئة المتحجرات Paleoecology وعلم المحيطاتOceonography وعلم الجغرافيا الحياتية Biogeography وعلم تلوث البيئة Pollution Ecollgy  و  علم التقانات البيئية Eclogical Technology وعلم البيئة الفسيولوجي Physiological Ecology الخ.

   وكغيره من العلوم، فانه من الصعب فصل علم البيئة عن غيره من العلوم الطبيعية والبحتة، فهو مرتبط بكل فروع علم الأحياء إرتباطاً وثيقاً كالفسيولوجيا،أو الفسلجة، وعلم الحيوان، وعلم النبات، والكيمياء الحيوية، والوراثة والتطور، وعلم السلوك، والبيولوجيا الجزيئية، والتقانات الحيوية. ويرتبط علم البيئة أيضاً بالعديد من العلوم الأخرى، أهمها :علم الأحصاء، وذلك لتوزيع البيانات التي يحصل عليها الباحث البيئي توزيعاً إحصائياً، ويستخدم الحاسوب في تحليل النتائج وإعطاء أفضل الوسائل لعرضها وتوضيحها. وكذلك فهو يرتبط  بعلم الكيمياء، والفيزياء، والجيولوجيا، والهندسة، وله علاقة كبيرة مع علم الصيدلة، والطب، والزراعة بشتى فروعها[[9]].

ومن هنا فإن مجال علم البيئة واسع جداً، مقارنة بعلوم الحياة الأخرى.ولأدراك ما يبحثه هذا العلم، علينا أولاً التعرف على ما يسمى بالطيف البيولوجي Biological Spectrum الذي يمثل أولى الخطوات في مفهوم علم الحياة، حيث تتألف حلقات هذا الطيف من مكونات تُرسم في وضع افقي، لا تأخذ فيه حلقة أهمية عن حلقة أخرى:

أجهزة- ----  أعضاء ----- أنسجة–---- خلايا –---  عُضيات----–--  جزيئات
--Organells-- Cells ---Tissues-- -Organs - Systems Molecules-
/
كائنات حية -- Organisms
/
جماعات - -----  مجتمعات حيوية ---  أنظمة بيئية ----   الكرة الحية
Ecosphere   -  Ecosystems - Communities - Populations

الطيف البيلوجي- الصف الأعلى يمثل مجال عمل العالمي البيئي، الأسفل- مجال فروع علم الحياة الأخرى[[10]]

   
و يمثل الطيف البيولوجي،من جانب اَخر، ترابط  هذه الحلقات مع بعضها البعض. فالمفهوم العام بأنه لا يمكن لعضو معين ان يمارس وظيفة معينة إلا إذا كان ضمن جهاز يضمن له البقاء والإستمرارية. والجماعة السكانية الحياتية لها فرصة بالبقاء أفضل ضمن المجتمع البيئي، والمجتمع ضمن النظام البيئي، وهكذا حتى يصل المطاف الى الكرة الحية التي تحوي مجموعة الأنظمة البيئية كلها. ولولا وجود الكرة الحية لتداعت هذه الحلقات جميعها ولما وجد الطيف البيولوجي والحياة بأكملها.
    ستتوضح هذه الإشكاليات أكثر عند دراستنا لبيئة الجماعات وللنظام البيئي،في الفصول القادمة.




[1]  -  د. علياء حاتوغ- بوران و محمد حمدان أبو دية، علم البيئة،دار الشروق، عمان، 1994، ص 5.
[2]  - -  رشيد الحمد ومحمد صباريني، البيئة ومشكلاتها،عالم المعرفة، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب،الكويت1979، ص 24.
[3]  - د. علي حسين عزيز حنوش، البيئة العراقية: المشكلات والآفاق، وزارة البيئة، بغداد، مايس 2004
[4]  -  علم البيئة،، من ويكيبيديا ،الموسوعة الحرة. http://ar.wikipedia.org
[5]  -  د. علياء حاتوغ- بوران و محمد حمدان أبو دية، علم البيئة،مصدر سابق، ص 9
[6]  - د. محمد صابر سلين، د. أمين عرفان دويدار، د. حسني أحمد إسماعيل، ود. عدلي كامل فرح، علوم البيئة، وزارة التربية والتعليم، بالإشتراك مع الجامعات المصرية، برنامج تأهيل معلمي المرحلة الإبتدائية للمستوى الجامعي، 1986، ص 7.
[7]  - محمد السيد أرناؤوط، الإنسان وتلوث البيئة،الدار المصرية اللبنانية،1993، ص 18.
[8]  - علم البيئة،، من ويكيبيديا، الموسوعة الحرة http://ar.wikipedia.org
[9]  - د. علياء حاتوغ- بوران و محمد حمدان أبو دية، علم البيئة،مصدر سابق، ص 12.
[10]  - المصدر: د. علياء حاتوغ- بوران و محمد حمدان أبو دية،علم البيئة، ص 10-  11.


د. كاظم المقدادي

1 تعليقات

  1. الف شكر للقائمين على امر هذه المكتبة ...جهد راقى ومقدر ...اسال الله لكم التوفيق

    ردحذف

إرسال تعليق

أحدث أقدم