في صباحٍ مشرق، استيقظت ليلى، الفتاة الصغيرة ذات الشعر الأسود الطويل، على زقزقة العصافير القادمة من حديقة منزلها. كانت في التاسعة من عمرها، مليئة بالفضول وحب المغامرة. منذ أن سمعت من جدتها قصصًا عن "الغابة السعيدة"، لم يتوقف خيالها عن التفكير في تلك الغابة الغامضة التي قيل إنها مليئة بالحيوانات التي تتحدث وتعيش بسلام.
قالت لها جدتها ذات مرة:
– "يا ليلى، في الغابة السعيدة تختبئ أسرار لا يعرفها إلا من يملك قلبًا طيبًا وشجاعًا."
ومنذ ذلك اليوم، قررت ليلى أن تذهب يومًا ما لاكتشاف تلك الغابة بنفسها.
بداية الرحلة
في ذلك الصباح، أخذت ليلى حقيبتها الصغيرة ووضعت فيها بعض الخبز، وزجاجة ماء، ودفترها الصغير لترسم وتكتب ما ستراه. أخبرت والدتها أنها ستذهب في نزهة قصيرة قرب النهر، لكن في قلبها كانت تخطط لشيء أكبر: رحلة إلى الغابة السعيدة.
سارت بخطوات حماسية على الطريق الترابي المؤدي إلى أطراف القرية. كانت الفراشات تحوم حول الأزهار، والنحل يطنّ بجدٍّ ونشاط. وبعد مسافة ليست ببعيدة، ظهرت أمامها أشجار كثيفة عالية، أوراقها خضراء لامعة، كأنها تلمع تحت أشعة الشمس.
همست ليلى لنفسها:
– "ها هي الغابة السعيدة... أخيرًا!"
لقاء غريب
ما إن دخلت بين الأشجار حتى شعرت بالبرودة اللطيفة في الهواء، ورائحة الزهور البرّية تملأ المكان. فجأة سمعت صوتًا ضعيفًا يشبه البكاء. توقفت لتصغي جيدًا، ثم اتبعت الصوت حتى وصلت إلى شجيرة صغيرة، وهناك رأت مشهدًا غريبًا:
كان هناك ثعلب صغير ذو فراء برتقالي وعينين لامعتين عالقًا في شبكة صيد قديمة تركها بعض الصيادين. كان يحاول الخروج بلا جدوى.
اقتربت ليلى بحذر، فسألها الثعلب بصوت مرتعش:
– "أيمكنك مساعدتي؟ أنا لا أريد أن أبقى هنا... أخشى أن يعود الصياد."
دهشت ليلى، فهي المرة الأولى التي تسمع فيها حيوانًا يتكلم. لكنها تذكرت كلمات جدتها، فابتسمت وقالت:
– "بالطبع سأساعدك. لا تخف."
أخرجت من حقيبتها مقصًا صغيرًا وبدأت تقطع الشبكة بعناية حتى تحرر الثعلب. ما إن أصبح حرًا حتى قفز فرحًا، ثم انحنى أمامها احترامًا:
– "شكرًا لكِ أيتها الطيبة. اسمي فلو، وأنا أعيش هنا منذ ولادتي. لم أظن أنني سأقابل إنسانة لا تؤذيني."
ضحكت ليلى وقالت:
– "وأنا اسمي ليلى. أردت أن أتعرف على الغابة السعيدة."
أجابها الثعلب:
– "إذن دعيني أكون دليلك. الغابة مليئة بالأسرار، ولا يستطيع أي غريب فهمها بسهولة."
مغامرات داخل الغابة
انطلقت ليلى مع صديقها الجديد فلو في ممرات الغابة. كان يعرّفها على كل ركن:
-
هناك جدول ماء صافٍ يشرب منه الجميع.
-
وهناك شجرة ضخمة تُسمّى "شجرة الحكمة"، يقال إن الطيور العجوزة تخزن فيها قصص الأجداد.
-
وفي أعماق الغابة، توجد بحيرة صغيرة تعكس السماء كأنها مرآة.
بينما هما يسيران، ظهرت سنجابة قافزة من شجرة إلى أخرى، تحمل بعض المكسرات. صاحت بفرح:
– "مرحبًا فلو! ومن هذه الصغيرة معك؟"
رد الثعلب:
– "هذه ليلى، صديقتي الجديدة. لقد أنقذتني."
ابتسمت السنجابة وقالت:
– "إذن هي مرحب بها في الغابة. لكن احذروا، فالذئب الرمادي يتجول اليوم وهو غاضب."
ارتبكت ليلى وسألت:
– "ذئب؟ هل هو خطير؟"
هز فلو رأسه:
– "أحيانًا يكون شرسًا، لكنه في الحقيقة وحيد ويخشى فقدان مكانه في الغابة."
مواجهة الذئب الرمادي
لم يمر وقت طويل حتى ظهر الذئب الرمادي من بين الأشجار. كان كبير الحجم، عينيه حادتين، وصوته عميقًا. قال بصرامة:
– "ما الذي تفعله فتاة بشرية هنا؟ أليست هذه غابة الحيوانات؟"
تراجعت ليلى خطوة إلى الوراء، لكنها تماسكت وقالت بشجاعة:
– "أنا لم آتِ لأؤذي أحدًا. أردت فقط أن أتعرف على غابتكم."
ضحك الذئب ساخرًا:
– "البشر لا يعرفون سوى التخريب. يقطعون الأشجار ويتركون الفخاخ."
تقدّم فلو وقال بحزم:
– "لكن ليلى ليست مثلهم! لقد أنقذتني من شبكة صياد، أليست هذه علامة على طيبتها؟"
ظل الذئب صامتًا للحظة، ثم قال:
– "إن كنتم تقولون الحقيقة، فلتثبتوا ذلك. هناك مشكلة في الغابة تحتاج إلى حل."
لغز النهر الجاف
قادهم الذئب إلى ضفة نهر كان يجري دائمًا بالماء، لكنه الآن بدا شبه جاف. قالت البطة التي كانت تنتظر بجانب النهر:
– "لقد جف النهر فجأة! لا نستطيع الشرب ولا الصيد."
أضاف القندس:
– "لقد بنيت سدًا هنا منذ أسابيع لأحمي بيتي، لكن ربما تسبب في حجز الماء أكثر من اللازم."
اقتربت ليلى وفحصت المكان بعينيها الصغيرتين الذكيتين. ثم قالت بهدوء:
– "أظن أن الحل ليس بهدم السد كله، بل بفتح ممر صغير يسمح للماء بالمرور، ويبقى بيت القندس آمنًا أيضًا."
أعجب القندس بالفكرة وقال:
– "حقًا! لم أفكر بذلك."
وبمساعدة الجميع، فتحوا ممرًا صغيرًا، فعاد الماء يتدفق في النهر من جديد. علت أصوات الفرح بين الحيوانات، حتى الذئب الرمادي ابتسم لأول مرة وقال:
– "لقد كنت مخطئًا في الحكم عليكِ يا ليلى. أنتِ صديقة حقيقية للغابة."
احتفال الغابة
في المساء، اجتمعت الحيوانات تحت شجرة الحكمة. أشعلت اليراعات نورها كأنها نجوم صغيرة، وبدأت الطيور تغني. جلس الجميع حول ليلى يشكرونها.
قالت السنجابة:
– "لقد علمتنا أن التعاون هو سر الحياة."
وقال القندس:
– "وحلّ المشكلات بالحكمة أفضل من الغضب."
وأضاف الذئب:
– "وأنا تعلمت أن لا نحكم على الآخرين قبل أن نعرفهم."
ابتسمت ليلى بسعادة وقالت:
– "وأنا وجدت فيكم أصدقاءً لن أنساهم."
العودة إلى البيت
عندما بدأ الليل يقترب، قال فلو:
– "لقد حان وقت عودتكِ إلى قريتك. لكن تذكري، ستظلين صديقة الغابة دائمًا."
ودّعتهم ليلى وهي تشعر بدفء كبير في قلبها، ثم عادت عبر الطريق الذي دخلت منه. وعندما وصلت إلى بيتها، كانت والدتها تنتظرها بقلق. احتضنتها وقالت:
– "أين كنتِ يا ليلى؟"
ابتسمت ليلى وأجابت:
– "كنتُ في الغابة... وتعلمت أن العالم يصبح أجمل عندما نعيش بسلام مع من حولنا."
ضحكت والدتها وهي تمسح على شعرها:
– "هذا درس عظيم يا صغيرتي."
وفي تلك الليلة، نامت ليلى وهي تحلم بمغامرات جديدة مع أصدقائها في الغابة السعيدة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق