كان يا ما كان، في سالف العصر والأوان، رجل طريف يُدعى جُحا، اشتهر بذكائه الغريب، وحِكمته التي تختبئ خلف سذاجةٍ مصطنعة. ذات صباح مشمس، استيقظ جحا كعادته مبكرًا، وهمّ بالخروج إلى السوق ممتطيًا حماره العزيز. لكنه حين خرج إلى الساحة، لم يجد حماره في مكانه المعتاد.
وقف جحا يحدّق في الفراغ، ثم صرخ:
– واأسفاه! ضاع حماري!
هرع الجيران إليه وقالوا له بقلق:
– ماذا حدث يا جحا؟ ما بالك تصرخ؟
فأجابهم وهو يضرب كفًا بكف:
– ضاع حماري! لقد اختفى دون أثر!
قال له أحدهم:
– لا تحزن، سنساعدك في البحث عنه.
لكن جحا لم يلبث أن رفع يديه إلى السماء وقال بصوت عالٍ:
– الحمد لله! الحمد لله!
تعجّب الناس وسأله أحدهم:
– تحمد الله على ماذا يا جحا وقد فُقد حمـارك؟
فأجاب جحا وهو يبتسم بثقة:
– أحمد الله أنني لم أكن راكبًا عليه، وإلا لكنت أنا أيضًا قد ضعت معه!
ضحك الناس من كلامه، لكنهم شاركوه في البحث. سار جحا في طرقات القرية ينادي بأعلى صوته:
– حماري! حماري! أرجع إليّ، لقد اشتقت إليك!
وبينما هو يسير، مرّ بجانب المسجد، فرأى الناس يصلّون، فدخل بينهم ورفع يديه بالدعاء قائلاً:
– يا رب، رد إليّ حماري، وإن لم ترجعه، فردّ إليّ ثمنه، وإن لم تردّ إليّ الثمن، فاجعل فقدانه رحمة لي، أو اجعلني أنساه كأنه لم يكن!
تفاجأ الإمام من دعائه، لكنه لم يرد أن يحرجه، أما الناس، فزاد إعجابهم بفكاهته الغريبة.
بعد ساعات من البحث، جلس جحا تحت شجرة وقال:
– لقد تعبت! سأفكر بطريقة ذكية لاستعادة حماري.
فكر جحا مليًّا، ثم خطر بباله أن يستخدم الحيلة. ذهب إلى السوق، واشترى حبلاً يشبه حبل حماره القديم، وراح يطوف في السوق ممسكًا بالحبل، وكأنه يقود حمارًا غير مرئي. نظر الناس إليه بدهشة وسأله أحدهم:
– أين حمارك يا جحا؟ لا نرى شيئًا!
فقال جحا بثقة:
– هذا هو حماري، ألا ترونه؟ إنه فقط أصبح خفيفًا لا يُرى بالعين.
ضحك البعض، وسخر البعض الآخر، لكن فجأة اقترب منه فتى وقال:
– يا جحا، رأيت حمارًا مربوطًا عند البئر القديمة خارج القرية، يشبه حمارك كثيرًا.
قفز جحا من مكانه وقال:
– هذا هو! هو نفسه! دلّني عليه أيها الفتى المبارك.
ذهب جحا مع الفتى، وبالفعل، وجد حماره مربوطًا إلى جذع شجرة قرب البئر. فرح به فرحًا عظيمًا، واحتضنه وهو يقول:
– يا أعز أصدقائي، ظننتك هجرتني، فإذا بك تنتظرني هنا بصبر وهدوء.
سأله الفتى:
– هل تعرف من ربطه هنا؟
فقال جحا مبتسمًا:
– لا أعرف، لكن من فعلها، إما أنه أحب حماري كثيرًا فلم يرد سرقته، أو أنه سرقه ثم ندم، أو أنه حاول ركوبه فوجد الأمر مستحيلاً!
عادت الضحكات تعلو في القرية بعد عودة جحا وحماره، وأصبح أهل البلدة يتداولون القصة على أنها واحدة من أغرب طرائف جحا. أما هو، فركب حماره بكل فخر، وسار به في الطرقات كأنما عاد من معركةٍ ظفر فيها بالنصر، وهو يردد:
– إن عاد الحمار، فعلى الدنيا السلام!