التربية والتجديد



كتاب التربية  والتجديد
تاليف 
الدكتور ماجد عرسان الكيلانى 

التربية والتجديد .. قراءة في فكر الدكتور ماجد عرسان الكيلاني*
         في حوار أجرته مجلة الإصلاح (1) الصادرة في دولة الإمارات المتحدة مع الدكتور ماجد عرسان الكيلاني، والذي استهل الكاتب مقاله بأن الهموم والشجون التي يثيرها الحديث عن الفكر، وعن واقع الثقافة العربية الإسلامية عامة كثيرة، ولكن أيضاً كثرت الأحاديث والكتابات، وكل منها له تفسيره وتحليله ونعوته والتساؤل هو:
هل يوجد أزمة فكرية؟ أم هناك انفصام بين الواقع والفكر حيث راح كل منهما في اغترابه ونأى بنفسه ؟!
         فكان الجواب من وجهة نظر الدكتور" ماجد الكيلاني " بأنه ليست هناك أزمة فكر ولا أزمة مجتمع وإنما ببساطة لا يوجد ما يكفي من المفكرين في حين مازال المجتمع يغط في نوم عميق بمنطقة " الغياب الاجتماعي " ولم تتجاوز طلائعه بعد حدود" الحس الاجتماعي " أو العبور النصفي للوعي.
         أما عن لجوء الكثيرين للاحتماء بالماضي وبنماذجه النمطية بالذات فقد أجاب بأن الماضي لا يدرس لذاته وإنما هي سُنَّة اجتماعية تاريخية لدى جميع الأمم حينما تنحرف بالمسار التاريخي لتدخل في متاهات ولا تتضح لها الرؤية المستقبلية فتحتاج أن تعود إلى الخلف لتكتشف نقطة الانحراف فإذا اكتشفتها فلا يجب أن تقف عندها وإنما تُعدِّل المسار وتنطلق نحو المستقبل وهذه ظاهرة عاشتها كل الأمم حتى أن النهضة الأوروبية لما أحست بضعفها أمام الهجمات الإسلامية رجعت تنقب في تراث الرومان واليونان، وهكذا كان عصر النهضة عندهم بين القرن الثاني عشر والخامس عشر الميلادي، هو عهد رجوع وتمحيص وبعد أن اكتشفوا أصول ماضيهم بدأوا يبنون حاضرهم ويحددوا مسارات المستقبل، ونحن لا نقلدهم في هذا وإنما باعتبار ذلك سُنَّة اجتماعية تلجأ إليها كافة الأمم كما حدث في اليابان وفي الصين مثلاً.
         وأضاف قائلاً: بأننا أمة نعاني منذ قرون عدم وضوح المسار، بل متاهات حقيقية فقد طرح الكثير من المشروعات( مشروعات قومية ومشروعات شيوعية ومشروعات إسلامية...) ولكن تعدد هذه المشروعات كان دليلاً في الواقع على اضطراب الرؤية، ولهذا فلا بد من العودة إلى الخلف تماماً كما يفعل التائه في الصحراء حيث يرجع أدراجه ليبحث عن النقطة التي ضل منها ويستوضح مساره، وبعد ذلك ينطلق ولكن لا يتوقف لأن البعض- أيضاً- يتخذ الماضي كهفاً يرقد فيه، وهذا هو موطن الخطر: أن نسكن في الماضي، ونبقى نجتر حديثه لشحذ همم الأجيال الحاضرة؛ فحتى بهذا الاعتبار فذلك خطأ، لأن التاريخ وبدليل قرآني، لا يعيد نفسه، فسنَّة الله سبحانه وتعالى أنه يخلق كل يوم جديداً (كل يوم هو في شأن)، والشؤون المتجددة تحتاج إلى نظرة متجددة، وفي الواقع فإن التاريخ في حد نفسه ليست فيه عبرة كما يحلو للبعض وصفه؛ فالقرآن الكريم يذكر لنا أن أمماً كثيرة تعاقبت لم تعتبر بما أصاب الأمم السابقة وارتكبت نفس الأخطاء فانهارت حضارة، لكننا يجب أن ندرس التاريخ والماضي كله ونكتشف سنَّة الأولين، كما يوجهنا القرآن الكريم، ففي التاريخ سنن وقوانين تحكم مسارات الأحداث، وهي كالقوانين الطبيعية( للمادة) يمكن أن تفيدنا لمعرفة الممارسات التي تصطدم مع هذه القوانين والسنن فتؤدي إلى الانهيارات المادية أو الأخلاقية أو السياسية ونسير مع القوانين التي تدفع مسيرتنا إلى الأمام.
وعن التساؤل عن حجم التناقض بين التطلع إلى الخارج والتعلق بالنموذج الغربي، وبين الذاتية والتشبث بالخصوصية؟
         أجاب الكيلاني قائلاً: هناك تناقض مرحلي وليس تناقضاً مرضياً قاتلاً! لماذا؟ لأن من طبيعة النهضات أنها لا تبدأ واعية وعياً كاملاً فهناك مراحل لهذه النهضات؛ فالأمة في حالات الضعف والتخلف تكون فيما نسميه "الغياب الاجتماعي" غائبة عن التحديات وعن الحاجات الأساسية في قضايا محلية ثانوية، إما اهتمامات فردية تدور حول الاستهلاك والإنتاج المحلي، أو في دوائر وولاءات عصبية؛ كما نرى اليوم في أقطار آسيوية وأفريقية ينتهي ولاء الفرد عند دائرة قبيلته وأسرته ثم تتصارع هذه القبائل وتنسى قضية الوطن الكبير.
         فهذا هو ما نسميه في العلم الاجتماعي والتاريخي بالغياب الاجتماعي، ولا يمكن نقل الأمة من الغياب الاجتماعي دفعة واحدة إلى الوعي الكامل، وإنما ننقلها من مرحلة الغياب إلى مرحلة الحسّ: أن تحس بمشكلاتها، وهذا الإحساس هو المشار إليه في القرآن الكريم بقوله تعالى: (أفمن كان ميتاً فأحييناه وجعلنا له نوراً يمشي به في الناس) وبالنظر في هذا التعبير القرآني نلاحظ ذكر المشي في الناس وليس في الأرض، لأن الإنسان يمشي في الأرض بعينيه اللتين في رأسه أما مشيه في الناس فهو بعقله ووعيه وحسه؛ فالإحساس بالمشاكل هو نقلة في خطاب المفكرين والمصلحين، ويتخذ الخطاب الإصلاحي غالباً في هذه المرحلة لوناً انفعالياً يعتمد على البلاغة والشعر، لاستهدافه إثارة المشاعر والإحساس، لكن هذه المرحلة لا تكون واعية، والوعي فيها هو وعي سطحي، أو عبور نصفي للوعي، ففي هذه المرحلة يتلمس الناس التقليد أو يقعون فيه، ويجب هنا أن ننطلق من أن التقليد نوعان: تقليد الحاضر،أي حاضر الأمم الأخرى، أو تقليد الآباء للأجداد.
         وبما أننا نحن نعيش في هذه المرحلة، مرحلة الوعي السطحي، فإننا ضمن هذا السياق منقسمون- بدورنا- قسمين، مثلاً: الإسلاميون يريدون تقليد الآباء، والعلمانيون أو التقدميون يقلدون حاضر الأمم الأخرى، وفي الحقيقة فإن التقليد هو تقليد سواء كان تقليداً للقدماء أو المعاصرين، فهو في جوهره واحد: غياب عن المشكلات الحاضرة وغياب عن التحديات والاكتفاء بالإحساس بها فقط، ولكن ما يحتاجه كل واحد من هذين المقلدين هو الانتقال من مرحلة "الحس الظاهري" إلى "مرحلة الوعي الكامل". ومن أبرز خصائص هذا الوعي تشريح الواقع وتنظيره تنظيراً علمياً، وليس تنظيراً عاطفياً، ثم ينظر في آيات القرآن والحديث ليستخرج الفقه الملائم للعصر، ثم ينظر في تجارب الأمم الأخرى، بحثاً عن الحكمة التي هي ضالة المسلم أنى وجدها.
         نحن لا نبحث عن عقائد في التجارب الأخرى وإنما نبحث عن وسائل وبمعنى آخر، الغايات نحددها من منطلقاتنا العقدية في حين نتلمس الوسائل من أي مكان، وهذا ما يجب على المصلحين، وعلى الحركات الإسلامية الإصلاحية بالذات إدراكه، لأننا ومن منطلق موضوعي نرى أن بعض هذه الحركات قلدت التنظيمات الغربية في تبني نظرية الصراع في المجتمع فئة ضد فئة، وعلى العكس من ذلك، وطبقاً للفحوى القرآني والسُني، فالمفروض أن الحركة الإسلامية حركة تحريرية لجميع الطبقات: تحرر الظالمين من ظلمهم والمظلومين من ظالميهم، ثم ترضي الطرفين وتجمع جهدهما لخدمة الإسلام؛ فإدارة الصراع نابعة من الغرب ووقعت فيها بعض التيارات الإسلامية لتواجه بعض الأنظمة، فضعف الاثنان ونهكا وكانت النتيجة تبدد الموارد البشرية، وهذه نتيجة لما سبقت الإشارة إليه من عدم اكتمال الوعي، والذي أطلقنا عليه مرحلة الحسّ، فلو انتقلنا لمرحلة الوعي لفكرنا تفكيراً سننياً، والتفكير السنني هو النظرة الشمولية الكلية، ومشكلة الوعي الظاهري أنه يعالج فقط المضاعفات الآنية، ولا يعالج الأمور من جذورها، وكمثال نسوقه على ذلك من العهد النبوي حيث كان بعض الصحابة ما زال في تلك المرحلة، فكان هؤلاء يؤذون إيذاءً شديداً من أعدائهم المشركين الكبار مثل عمرو بن العاص و أبي سفيان و خالد بن الوليد فلما أسلم هؤلاء بعد الفتح أو قبله رغب أولئك الصحب في عدم إسلامهم وفي القضاء عليهم بسبب سجل العداوة والحرب معهم.
         ولنا أن نتصور ما يحدث لو طبق رأي هؤلاء وبمعنى آخر نتصور حجم الخسارة الكبرى التي كان سيمنى بها الإسلام وتاريخه لو حرم خالد بن الوليد أو عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ فالمسالة أن القوي قوي وينبغي أن لا نسعى إلى تهديمه وإنما إلى تهذيبه، والمؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف، ومثال آخر له دلالته وعبرته في هذا المجال وهو سياسة أبي بكر الصديق رضي الله عنه وتعيينه لبعض من تأخر إسلامهم مثل خالد ويزيد بن أبي سفيان قادة للجيش على الرغم من وجود السابقين إلى الإسلام من القرشيين وغيرهم، لقد كان السبب فقط هو قوتهم وخبرتهم الطويلة في قيادة الجيوش وإدارة الحرب، ولأن" خياركم في الجاهلية خياركم في الإسلام إذا فقهوا ".
أما عن كتابه" هكذا ظهر جيل صلاح الدين وهكذا عادت القدس "، فكان السؤال عن العنوان على الأقل لماذا البحث" خلف صلاح الدين"؟!
         أجاب فضيلته بأنه لم يتحدث عن صلاح الدين، بل لاحظ أن كافة المصلحين والخطباء والكتاب كلهم يمنون الأمة بقائد كصلاح الدين يعلقون عليه آمال حل كافة مشاكل الأمة، وبعد دراسة مستفيضة وتمحيص تاريخي وجد أن القضية ليست قضية صلاح الدين، فربما يوجد "صلاح الدين" بيننا، وإنما المقصود هو جيل صلاح الدين، ومن ثم فالخلاصة التي يجب أن نتوجه بها إلى كل الناس هي: لا تنتظروا صلاح الدين ولكن اعملوا لخلق جيل صلاح الدين!! وهذا الجيل نفسه لم يكن خارقاً أو ظاهرة مفاجئة وإنما كان ثمرة لمدارس تربوية إصلاحية متدرجة واعية بسنن المجتمعات والإصلاح، أفرزت ذلك الجيل، الذي صنع صلاح الدين.
         كما أكد أن الخطوة التي نحتاجها قد تأخذ جيلاً كاملاً، وهذه هي مواجهة الواقع حيث يعيش معظم الأمة في حالة الغياب الاجتماعي، ولم يتجاوز الباقي بعد مرحلة العبور النصفي للوعي (الوعي السطحي) فنحتاج إلى مراجعة جذرية لنظم التربية والإعلام والتوجيه الديني والإدارة المدنية والممارسات الأمنية لأن جميع هذه المؤسسات تشترك في تشكيل وصياغة سلوك الإنسان، فإما أن تجعله قادراً على مواجهة التحديات وتلبية الحاجات وإما أن تنتقص إنسانيته وتدمره فلا يستطيع شيئاً، ويجب مع هذه المراجعة الداخلية الشاملة أن نتوقف عن إلقاء اللوم على القوى الخارجية، فالقرآن يوجهنا بأنهم" لن يضروكم إلا أذى" والأذى هو الألم الشعوري نتيجة تعليقات كلامية، قد لا يكون لها أي تأثير كما في قوله تعالى "إنّ الذين يؤذون الله ورسوله" فالله أثبت لنفسه سبحانه الأذى ونعلم أنهم غير قادرين على ضرره.
         فالأذى مجرد إغضاب أما الضرر الحقيقي فيأتي من عدم فهمنا لأنفسنا وما نحتاجه مرة أخرى هو حركة تقويم تربوية فكرية تحقق الشمول وتجمع الطاقات والتكامل بين أربع قوى هي:
قوى المعرفة، وقوى المال، وقوى الإدارة والسياسة، والقوى العسكرية.
وأنه لابد من التقاء القائمين على هذه المؤسسات وقيامهم بمراجعة جماعية وتشخيص الواقع وقراءة عصرية مؤصلة للمصادر الإسلامية ولتجارب الأمم الأخرى، واستخلاص مناهج تربوية وبرامج إعلامية، لإخراج جيل جديد يمتلك الوعي الكامل.
         أما عن الإعلام والدور الخارجي، فمن وجهة نظره لا بد من خطاب إعلامي تضعه تلك المجموعة المتكاملة يتميز بالحكمة والأدب والإبانة، لأنَّ الله سبحانه وتعالى أمر رسوله صلى الله عليه وسلم " بالبلاغ المبين" فمطلوب الخروج بمنهج "مبين" يوضح أداء الأدوار الإعلامية والفكرية، ويبين أن أي سياسي لا تتوفر له أجهزة تعمل على أسس علمية ومنطقية سيجد نفسه مستقبلاً في موقف الفشل والضعف، ولا يمكن أن يكون هناك قائد يتمنى أن يجد نفسه يوماً أمام شعب كالشعب الذي قاده موسى عليه السلام فقال له "اذهب أنت وربك فقاتلا إنّا هاهنا قاعدون" فهذه الحالة تتكرر ما لم تكتمل وسائل التربية والتوجيه.
         ومع الأسف فإن الإعلام ما زال واقعاً تحت تأثير التقليد، بل مجرد أصداء للإعلام الخارجي.
         ومرة أخرى لا بد أن ألفت النظر إلى مسألة تضخيم الدور الخارجي وضرورة الكف عن اتهام القوى الخارجية وإلقاء اللوم عليها، فالقوى الخارجية وتأثيرها ينجحان فقط بسبب الضعف الداخلي أو على الأصح تزاوج ثمرة هذا الضعف مع تلك القوى، أما لو كانت هناك قوى خارجية مع قوى داخلية فلا يحدث التأثر الخارجي، ونجد مثالاً معاصراً لذلك وهو فشل القوى الخارجية في اختراق القوى الداخلية القوية للصين؛ فالعلاج ليس في لوم الخارج وإنما يكون بالمراجعة الشاملة وبناء القوة الداخلية.
         وبالنسبة لتحليل الضعف الداخلي فقد توصلت إلى قانون مؤداه "تساوي الأداء عند جميع طبقات الأمة في حالات القوى والتخلف" فالأداء الضعيف للأمة المتخلفة لا يقتصر أبداً على فئة معينة أو طبقة دون أخرى، بل يعم من الأسرة إلى أكبر المؤسسات السياسية والعسكرية والإدارية.
وفي السؤال عن الشكلية الدينية، وما علاقته بنقد الحركة الإسلامية؟
         فهو يرى أن للتدين ثلاثة مستويات تديُن الطقوس الشكلية وتديُن الأفكار والشعارات، والتدُين الشامل العميق الذي يفقه مصادر الدين فقهاً شاملاً متكاملاً مع مشكلات المجتمع.
         وما ينقص العمل الإسلامي الآن هو مراكز البحث العلمي التي توجه العاملين في الحقل الإسلامي، ومن سلبيات هذا الواقع ما نلاحظه من تشتت للحركات الإسلامية والقومية أيضاً حيث انفصل قادة ومفكرو هذه الحركات عنها تقريباً وبقي الأتباع هم الوقود دون أي قيادة فكرية، وتتضح أهمية هذا الأمر بمقارنته مع مثال آخر ذي صلة هو المدرسة الصهيونية في إسرائيل حيث تتلمذ كافة الأحزاب الإسرائيلية على نفس المدرسة اليهودية الصهيونية وتعتمد كلها على ثقافة فكرية قيادية تغذيها مراكز دراسات وأبحاث( منها 17 مركزا في فلسطين المحتلة وحدها)، فأين هذه من الحركات الإسلامية على سبيل المثال؟ حيث ظهر في القرن الحالي كله عدد لا يتجاوز عدد أصابع اليد من المفكرين الذين اعتمدوا على جهودهم الفردية وهذا عدد قليل، لأن نسبة المفكرين في الأمة أو في الجماعة يجب أن تتناسب مع نسبة الأمة أو الأعضاء كتناسب الخميرة في العجين، وقد حدد القرآن هذه النسبة في قوله تعالى (إن يكن منكم عشرون صابرون يغلبوا مئتين ...) ، فهذه الكفاءة الفكرية ضرورية في حجمها ونوعها أيضاً، ولا يكفي الإخلاص فهو متوفر ولكنه يفتقر إلى إستراتيجية عملية.
وعن الدعوات الفكرية الأخرى، وتحديداً التيارات القومية واليسارية التي لاقت فرصاً كثيرة، دون حصاد كبير؟! 
         أجاب الكيلاني موضحاً بأنه يجب أن يكون تقويمنا لظاهرة التيارات القومية أو اليسارية تقويماً تشخيصياً لا تقويم المتشفي في ما لحق ببرامجهم من انتكاسات فهم أولاً أبناء الأمة وعنصر من عناصر الثروة البشرية وهم كانوا يمثلون مرحلة الحس الاجتماعي أو الوعي الساذج.
          ومعروف أن من خصائص هذه المرحلة التقليد، إما تقليد الماضي أو تقليد المجتمعات الأخرى، هم قلدوا المجتمعات الأخرى، وما هو مطلوب اليوم هو أن تُستثمر كافة العناصر لدينا وأتوجه بشكل خاص هنا إلى العاملين في الحقل الإسلامي بعدم التشفي بفشل الفكر القومي مثلاً، وإنما أن ينطلقوا من أن هؤلاء اجتهدوا وأخلصوا لأمتهم وإن أخطأوا الطريق لأن الهدف هو بناء جسور نحو المستقبل تضم جهود الجميع وطاقاتهم واستثمار تجاربهم، وذلك عن طريق ما سماه القرآن التزكية "هو الذي بعث في الأميين رسولاً من أنفسهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم".
         وفي ختام اللقاء توجه فضيلته إلى كل غيور على هذه الأمة أن لا يستعجل الأمة، لأن هناك سنناً وقوانين اجتماعية وبشرية، وكل مرحلة لابد أن تأخذ زمنها المقدر، وكان القرآن الكريم يخاطب المستعجلين من الصحابة "أتى أمر الله فلا تستعجلوه" ثم آن لنا أن ننتقل من اللغو السياسي واللغو الفكري القائم على التعاميم المنطلقة من رغبات وانتماءات مسبقة إلى التفكير العلمي الذي يحسن قراءة الكتاب الكريم وقراءة الواقع.

أترك تعليقا

أحدث أقدم