جحا العربى
تاليف
د. محمد رجب النجار
إن التراث الأدبي كما يحدده أستاذنا الفاضل الدكتور عبد الحميد يونس , لم يعد هو الذي " يصدر عن لهجة بعينها , ولا عن طبقة بعينها , لأن التعبير الفني حيوي في جميع الشعوب والأفراد والطبقات "
وعلى ذلك يصبح الفيصل بين الأدب الشعبي وغيره , عند الأستاذ الدكتور " إنما
يلتمس في واقع الأمر في الوظيفة التي يقوم بها الأدب " ومن ثم يخطئ من يظن
أن الفيصل يكمن في المعيار اللغوي دون المعيار التاريخي ( الأصالة ) أو
المعيار النفسي أو الثقافي أو الفني – حين يتوسل هذا الإبداع باللهجة
العامية فالواقع – كما يقول الأستاذ الدكتور " إن اللهجة العامية ليست
الفيصل في التمييز بين الشعبي وغير الشعبي , وإنما الفيصل هو وجدان الجماعة
( لا الوجدان الفردي في إطار العبقرية الفردية ) الذي يجعل المؤلف مجهولا
مختفيا , لا تبين له خصوصية , والذي يجعل الآثار الأدبية الشعبية مجهولة
المؤلفين في الغالب , وهي إن نسبت الى مؤلف , فتحقيق هذه النسبة عسير أو
يكاد يكون مستحيلا ولو وجد لكان ذلك – في الأغلب الأعم – على سبيل الشهرة
والانتحال , كالخلاف الذي لا يزال حول هوميروس , ومؤلف أغنية رولان على
سبيل المثال . فليست اللهجة إذن فيصلا – بحال – الى التمييز , ولكن الوجدان
الجمعي هو الفيصل .
في ضوء هذه المنطلقات , وفي ضوء المفهوم العلمي للتراث بعامة , باعتباره كل ما هو موروث عن السلف من فكر وقيم ومآثر وفنون , والمعبر عنها قولا أو كتابة أو عملا , تأتي دراستنا لشخصية جحا وللمأثور الجحوي في صميم الدراسات الفولكلورية . ومما له مغزاه في هذا المقام أنني اعتمدت في انتخاب النوادر التي تمثلت بها في تلك الدراسة على ما ورد في كتاب ( أخبار جحا ) للمحقق اللغوي الكبير الأستاذ عبد الستار فراج , أول من تنبه الى المأثور الجحوي في كتب التراث , فجمعه وحققه , ونشره مقدما بذلك خدمة كبرى من خدماته الجليلة للغتنا الجميلة في مجال نشر التراث وتحقيقه على نحو ما هو معروف ... والحق أن التراثيين الحرب أنفسهم , كانوا من رحابة الأفق , وشمول الرؤية , وبعد النظر وموضوعية التفكر , في مؤلفاتهم – الموسوعية منها بخاصة – فلم يعرفوا مثل هذه التفرقة أو النظرة القاصرة المحدودة الى ضروب الثقافة العامة وفنون التعبير الأدبي بخاصة . ولعل في العودة الى ما أبدعته مثل هذه القرائح المعبرة , ما يؤكد ذلك , من أمثال المقريزي والقلقشندي والنويري والطبري وابن خلدون والقزويني والدميري والحصري وابن عبد ربه , وأبي علي القالي , والمقري , وأبي حيان التوحيدي , وأبي الفرج الأصفهاني والجاحظ والأصمعي , وعبد الله ابن المقفع – رائد النثر الفني في الأدب العربي – وغيرهم كثير جدا . بل لقد بلغوا قدرا من الحرية والجرأة والأمانة في التعبير ما نعجز نحن – المعاصرين – عن مجاراتهم أو تقليدهم ( بحجة خدش الحياء مثلا ) أو دون أن يتهمهم احد بالتشيع الإقليمي ... وليتنا ندرك انه ما من شيء , يساهم في تأكيد الوحدة القومية , وتجسيد غاياتها ومثلها قدر ما ساهم الفولكلور العربي في صنعها .. ( ابتداء من وحدة العادات والتقاليد , وانتهاء بوحدة الإبداع الأدبي الشعبي كالقصص والملاحم والسير والحكايات والأمثال والنوادر ... الخ )ولعل هذه الدراسة عن جحا , تؤكد هذه الحقيقة , وترد بذاتها على هذه الدعوى الموهومة , فما من قطر عربي إلا عرف جحا , بسمته وملامحه وأسلوبه وفلسفته في الحياة والتعبير , فعرف في هذا النموذج ( القومي ) عصا توازن في خضم تحدياته ومعوقاته – وتمثل نوادره زادا فنيا ونفسيا بعيد الأثر قد يدفعه الى الابتسام والسخر , وقد يدفعه الى الضحك والدعابة , لما فيها من انحراف عن المألوف أو تلاعب باللفظ أو خطا في القياس ولكننا لو تجاوزنا قشرتها الخارجية , وتأملناها من الداخل لوجدناها وسيلة حيوية من وسائل الدفاع عن الذات العامة باعتبارها النموذج والمثال ... مؤكدة بالتناقض الظاهر أو الخفي – القيم الإنسانية العليا , والغايات القومية , التي تعمل الجماعة كلها على تحقيقها ... وإذا تلك النوادر هي البلسم الشافي – في مأساة الحياة – الذي يغرس في أعماق نفوسنا أروع البسمات فلا يتزلزل المرء عند مواجهة المواقف الصعبة أو الحرجة أو أمام أعقد الأمور وأخطر المشكلات
في ضوء هذه المنطلقات , وفي ضوء المفهوم العلمي للتراث بعامة , باعتباره كل ما هو موروث عن السلف من فكر وقيم ومآثر وفنون , والمعبر عنها قولا أو كتابة أو عملا , تأتي دراستنا لشخصية جحا وللمأثور الجحوي في صميم الدراسات الفولكلورية . ومما له مغزاه في هذا المقام أنني اعتمدت في انتخاب النوادر التي تمثلت بها في تلك الدراسة على ما ورد في كتاب ( أخبار جحا ) للمحقق اللغوي الكبير الأستاذ عبد الستار فراج , أول من تنبه الى المأثور الجحوي في كتب التراث , فجمعه وحققه , ونشره مقدما بذلك خدمة كبرى من خدماته الجليلة للغتنا الجميلة في مجال نشر التراث وتحقيقه على نحو ما هو معروف ... والحق أن التراثيين الحرب أنفسهم , كانوا من رحابة الأفق , وشمول الرؤية , وبعد النظر وموضوعية التفكر , في مؤلفاتهم – الموسوعية منها بخاصة – فلم يعرفوا مثل هذه التفرقة أو النظرة القاصرة المحدودة الى ضروب الثقافة العامة وفنون التعبير الأدبي بخاصة . ولعل في العودة الى ما أبدعته مثل هذه القرائح المعبرة , ما يؤكد ذلك , من أمثال المقريزي والقلقشندي والنويري والطبري وابن خلدون والقزويني والدميري والحصري وابن عبد ربه , وأبي علي القالي , والمقري , وأبي حيان التوحيدي , وأبي الفرج الأصفهاني والجاحظ والأصمعي , وعبد الله ابن المقفع – رائد النثر الفني في الأدب العربي – وغيرهم كثير جدا . بل لقد بلغوا قدرا من الحرية والجرأة والأمانة في التعبير ما نعجز نحن – المعاصرين – عن مجاراتهم أو تقليدهم ( بحجة خدش الحياء مثلا ) أو دون أن يتهمهم احد بالتشيع الإقليمي ... وليتنا ندرك انه ما من شيء , يساهم في تأكيد الوحدة القومية , وتجسيد غاياتها ومثلها قدر ما ساهم الفولكلور العربي في صنعها .. ( ابتداء من وحدة العادات والتقاليد , وانتهاء بوحدة الإبداع الأدبي الشعبي كالقصص والملاحم والسير والحكايات والأمثال والنوادر ... الخ )ولعل هذه الدراسة عن جحا , تؤكد هذه الحقيقة , وترد بذاتها على هذه الدعوى الموهومة , فما من قطر عربي إلا عرف جحا , بسمته وملامحه وأسلوبه وفلسفته في الحياة والتعبير , فعرف في هذا النموذج ( القومي ) عصا توازن في خضم تحدياته ومعوقاته – وتمثل نوادره زادا فنيا ونفسيا بعيد الأثر قد يدفعه الى الابتسام والسخر , وقد يدفعه الى الضحك والدعابة , لما فيها من انحراف عن المألوف أو تلاعب باللفظ أو خطا في القياس ولكننا لو تجاوزنا قشرتها الخارجية , وتأملناها من الداخل لوجدناها وسيلة حيوية من وسائل الدفاع عن الذات العامة باعتبارها النموذج والمثال ... مؤكدة بالتناقض الظاهر أو الخفي – القيم الإنسانية العليا , والغايات القومية , التي تعمل الجماعة كلها على تحقيقها ... وإذا تلك النوادر هي البلسم الشافي – في مأساة الحياة – الذي يغرس في أعماق نفوسنا أروع البسمات فلا يتزلزل المرء عند مواجهة المواقف الصعبة أو الحرجة أو أمام أعقد الأمور وأخطر المشكلات
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق