الوراثة والإنسان
اساسيات الوراثه البشرية والطبيه
تاليف
د. مصطفى ناصف
هو احد الفروع الاساسية لعلوم الحياة الذي يختص بدراسة التوارث والتغاير بين الاجيال المتعاقبة من الاحياء، حيث يهتم بدراسة التشابه والاختلاف بين الابناء والاباء والاقارب كما يهتم بدراسة وحدات التوارث (الجينات) وكيفية انتقالها من جيل الى الجيل الذي يليه وتاثيرها في صفات الكائنات الحية.
كما اقترح كل من Rabcock و Clausen التعريف التالي (وهو العلم الذي يبحث عن اسباب كل من وراثة الصفات Heredity والاختلافات Variations بين الافراد التي تربطها صلة قرابة أي التي من عائلة واحدة ويوضح ايضا العلاقة الموجودة بين الاجيال المتعاقبة.
معظم الناس يربطون علم الوراثة Genetics بانتقال الصفات او ملامح الفرد من جيل الى آخر، كون وراثة الصفات هي وجه علم الوراثة التي أثارت انتباه البشر منذ الازل.
لقد كان الاعتقاد السائد فيما مضى، ان الدم هو العامل الأساسي في الوراثة كقولهم (من نفس الدم او قولهم على دمهم) ولكن عرف بعد ذلك ان الجنين لا ينشأ من دم الابوين، وانما ينشأ عن طريق اندماج خليتين هما البويضة من ألام والنطفة من الاب.
لقد اخذ هذا العلم بعداً اكثر شمولية فهو يهتم بكل عملية حيوية تجري داخل جسم الكائن الحي، فالاحياء تشترك بمظاهر يتخذها الدارسون أساسا لتميز المادة الحية عن غير الحية منها القدرة على التكاثر، التغذية، النمو، الحركة، الاستجابة لتغيرات الظروف والمحيط الخارجي والقيام بالافعال الحيوية، والواقع ان هذه الفعاليات الفسلجية تخضع لسيطرة وتنظيم وراثي محكم.
نعم ان الحياة تلازم التكاثر والتكاثر شكل من أشكال الحياة يتحقق بانتقال الملامح العامة والتنظيم الحيوي المستمر من السلف الى الخلف أي (يكون الأبناء مشابهين للاباء) أي تبديل متواصل لنسخة قديمة بنسخة جديدة من الأفراد.
ان توقف القدرة على ظهور افراد جديدة يؤدي الى انقراض تلك المجموعات من الاحياء. ان تقيم قدرة الاحياء على التكاثر هي (انجاب المماثل فقط) لكن ليس دائما هي ان الابناء يطابقون والديهم في كل الصفات. فابناء نفس الوالدين يتميزون فيما بينهم بصفات ما (حتى التوأم المتماثلة) فردية. التي من الممكن ان تورث لانسالهم القادمة.
فالوراثة ليست توالد بسيط او استنساخ آلي لصفات وخصائص ثابتة غير قابلة للتغيير، وانما دائما يرافقها تغاير (Variations) رغم الحفاظ على صفات معينة عامة وتتغير صفات اخرى, اذن التكاثر لاينطوي على استنساخ وحسب، وانما يختص بنشوء جديد، وهذا ما دعوناه بالتغاير، أي ظهور جديد في الابناء مغاير لما عند والديهم.
ما هو جوهر التكاثر؟ بحيث يضمن هذه السرمدية في الانواع، أي ان الانسان ينجب انسان والفأر فأرا وهكذا باقي الاحياء.
ماهي الخطوات التي تجعل ملامح الابناء في كثير من التفاصيل الدقيقة تشبه احد الابوين او كلاهما؟ لماذا تمر بعض هذه الصفات بثبات من جيل الى آخر؟ بينما تبدو صفات اخرى وكانها مفقودة؟ ولكي تظهر لابد من مرور بضعة اجيال خالية منها حتى تبرز في النهاية بنفس مواصفاتها بالضبط, وكانها طيلة هذا الزمن وهذا التتابع من الاجيال محفوظة في مجمدة بدون تغيير. مثل هذه الاسئلة استحوذت على كامل انتباه العلماء لقرون عديدة قبل ان يكتشف امرها.
ان العلوم في نمو وتطور مستمرين فهي غير خاضعة للتحديد والتأطير وخاصة علم الوراثة والتغاير، ولم يدخل هذا العلم الحقبة التجريبية الا عند التعرف على ابحاث مندل .
ومنذ ذلك الوقت طفر هذا العلم طفرات واسعة في مجالات البحوث والتقدم، حيث استطاع موركان Morgan ومساعدوه من ان يحولوا مفهوم مندل الافتراضي عن عوامل الصفات الى حقيقة واقعة حيث تم استبدال كلمة عامل Factor بكلمة جين (موروثة) Gene كشيء معين واقع على الكروموسات والذي يمثل صفة من صفات الكائن الحي. وقد انبثقت عن ذلك نظرية تدعى نظرية الجينات Gene Theory والتي تنص على (ان عوامل الصفات هي اجسام معينة تدعى الجينات وهي موجودة على الكروموسات بترتيب طولي Linear وفردي single وان لكل جين موقع خاص Locus على الكروموسومات وله طبيعة خاصة وان أي تغير في موقعه او في طبيعته تؤدي الى تغير الصفات التي يمثلها هذا الجين، لقد جلبت هذه النظرية انتباه البايولوجيين والكيمياويين والفزياويين فدرست الكروموسومات والجينات للتعرف على كيفية سيطرتها على التفاعلات الكيميائية داخل الخلية وبالنتيجة كيفية سيطرتها على تكوين صفات الكائن الحي وهذا ادى الى انبثاق علمي الوراثة الخلوية Cytogenetics والوراثة الكيميائية الحياتية Biochemical Genetics ومن خلال هذين العلمين قطع علم الوراثة شوطا واسعا في التعرف على التركيب الكيميائي والتركيب الفيزيائي لمادة الكروموسومات والجينات. وقد كان النموذج الذي اقترحه العالمان واتسن Watson وكريك Crick عن ترتيب وتركيب جزيئة الـ DNA تاثير كبير في تقدم هذا العلم.
وان علم الوراثة الان يتطور بشكل عاصف وكانه سلسلة ثورات متصاعدة تفرز معطيات علمية ذات طبيعة نوعية لا تساعد على فهم كفة الحياة فقط وانما تضع في يده ممكنات توجيهها بما يخدم اغراضه.
ان الاكتشافات الوراثية مهدت الطريق الى تفطن وتبصر جديدين في قضايا اساسية كأصل الحياة وبناء المادة الحية وعملية الارتقاء والنشوء وقد اثمرت فرائد عملية شملت متطلبات الانسان ابتداءاً من توفير الدواء له وتربية وتحسين الانتاج النباتي والحيواني وانتخاب وتخليق الاجود حتى لامست الانسان ذاته لتحميه من الامراض والتدهور.
ليست هناك تعليقات
إرسال تعليق